محمد علي الطاهر
 

نبذة ذاتية

>

صفحة ٣٤

العـرب واليهـود والإسرائيليين : كـي نحيط بالواقـع المعقد

أهل فلسطين عــرب سواء ثقافـيا أو من حيث القـومية . أما عــرقـيا فينحدرون من هجرات بشرية عـلى امتداد مئات السنين من أقوام أخرى منهم العـرب والكنعـانيين والفـينيقيين واليونان والإيطاليين والمالطيين والرومان والمصريين والأفارقة وقبائل البربـر من شمال أفريقيا والأكراد والأتراك والفرس والشيشان والداغـستانيين والشركس وكذلك أحفاد الصليبيين الذين أتـوا إلى البلاد من شرق وغــرب أوروبا وغـيرهـم .

والشعـب الفلسطيني اليوم مبعـثرجغـرافيا عـلى غـــرارالشعـب اليهـودي أيام الشتات .

أ)   فهناك الفلسطينيون الذين لا يزالوا يسكنون وطنهم الأصلي والذين أصبحوا مواطنين اسرائيليين ، وقد أضحى مجرى حياة هؤلاء خليطا بين تراثهم التاريخي العـربي وواقعـهم ضمن المجتمع الإسـرائيلي .

ب) هناك جموع من اللاجئين موزعـين في عـدد من الدول العـربية المجاورة ، غـالبيتهم بدون جنسيات وإن كان بعـضهم قد حصل عـلى جنسية البلد المضيف .  أما من لم يسعده الحظ بالحصول على جنسية أخرى أي أضحى دون جواز سفر اعتيادي بل يسافر معتمدا على وثيقة سفر للاجئين الفلسطينيين من مميزاتها أنها تجعل سفر الحيوانات أسهل من سفر اللاجئين.

ج) هناك شتات فلسطيني في مختلف أنحاء العـالم وعـلى جميع القارات ، البعـض منهم مجـنس مثل الفلسطينيون الأمريكان عـلى سبيل المثال ، والبعـض يحمل إقامات عـمل مؤقتة مثل الفلسطينيون الذين يحملـون الجنسية الأردنية ولكنهم يعـيشون في المملكة العـربية السعـودية عـلى سـبيل المثال .

د) هناك سكان الضفة الغــربية الذين يعـيشون تحت الإحتلال الإسرائيلي في وضع يشبه الوضع في المعـتقلات وتحيط بهم الأسـوار وأبراج المراقبة والجنود المدججين بالمدافع الرشاشة .

هـ) وأخيرا هناك قطاع غــزة الذي يعـامل سكانه من قبل الجميع عـلى حد السواء وكأنهم معـزولين في مستعـمرات الجـذام أو مثل منبوذي الهند عـلى أفـضل تصوير.

تحـدد الديانـة التي ينتمـي إليها المـواطن في الشـرق الأوسـط ومذهـبه إلى حـد كبيـر هـويته كما هـو الحال في إيرلندا الشمالية. وهكذا يشـيرالفلسـطينيـون وكافة العـرب إلى الإسـرائيليين "باليهـود" أي أتبـاع "يهـوه" ، وهـي التسمية الشائعـة منذ الأزل . أما سـكان فـلسطين الذين أصبحـوا مواطنيـن اسـرائيليين ، فيطلـق العـرب عـليهم بصفة عـامة اسم "فـلسطينيـو اسرائيل" أو "عــرب اسرائيل" ، أو "عــرب 48" . والتسمية الأخيرة غـير محـبذة من قبل بعض مواطني اسرائيل من الفلسطينين ، حيث يعـتبرونها تسمية جارحة وإن لم يكن ذلك مقصودا بالطبع بل هـو مجرد استعـمال شائع .

يعـتبـراليهـود أن اليهـودية هي هويتهم كأمة وكأتباع عــقيدة دينية أيا كان أصلهم العــرقي ، حيث أنهم مختلـفـين عــن بعـضهم من تلك الزاوية ، فهناك من هـو أوروبي أو آسيوي أو أفـريقي أو عــربي وهكذا يراهم غير اليهود . وقـد وفـر قيام دولة اسرائيل لليهود مكانا يتجمعــون فيه من كل مكان تحت مظلة جنسية واحدة (وإن كان الكثيريـن منهم يحملون أكثر من جـنسية) . صحيح أن غالبية الفلسطينيين المسلمين والمسيحيين والدروز الذين لم يغـادروا فلسطين عـند إعـلان دولة اسرائيل عـام ١٩٤٨ أصبحوا مواطنين اسرائيليين ، إلا أنه عـندما يشير المرء إلى شخص اسرائيلي بصفة عـامة إنما يعـني بذلك شخصا يهـوديا .

يشيـر معـظم الإسرائيليون إلى الفلسطينيين "بالعـرب" ، وهي تسمية تستخـدم أحيانا بقصد تحـقـيرهـم أو كإحدى وسائل طمس شخصيتهم أو كينونتهم كشعـب ، وتشمل تلك التسمية مجمل أهل البلاد مـن مسيحيين ومسلمين . وإذا أراد الإسرائيليون تحديد الفئة التي يشيرون إليها كمجموعـة مخـتلفة فإنهم يشيرون إليهم "بالعـرب المسلمين أوالمسيحيين" . أما الفلسطينين من أتباع العــقيدة الدرزية والمقيمين في اسرائيل إنما يشار إليهم "بالدروز" فـقط  ، حيث أن السلطات الإسرائيلية تعـاملهم بطريقة مختلفة عـن معـاملتها لباقي الفلسطينيين .

ينظر جانب كبير من الإسرائيليين إلى الفلسطينيين باستعـلاء مثلما كان النازيين في ألمانيا ينظرون إلى اليهـود بازدراء . وأي عــربي أو مسلم يشتبه في احتمال كـونه إرهابي . هـذا ويرى معـظم العـرب في كل شخص يهـودي عـميل مخابرات اسرائيلي . أما المستوطنين فيعتبروا بمثابة عصابات مسلحة تعمل بتصريح رسمي من قبل الدولة . وهذه بالطبع أمور محزنة وإن كانت غـير مستغــربة . وعـلى الشعــبين أن يعـترفا بتراث بعـضهما البعـض كي يتمكن كل منهما أن يتعـرف عـلى تراث الآخـر. ورغـم صعــوبة الأمرعـند البعـض ، فإن نظرة الإسرائيليين والفلسطينيين الشمولية يجب أن تشمل طبعـا كل من هـم حولهم . قد يكون التلـفظ بذلك أسهل من تنفيذه ، إلا أنه من المهم البدأ بالخطوة الأولى ، ولعـل التربية والتعـليم في المنزل والمدرسة هما أفضل نقطة انطلاق نحو إيجاد تسوية بين الطرفان يليها إحـلال السلام بين الشعـبين .

 
الصفحة السابقة
الصفحة اللاحقة
 
Eltaher.org ٢٠٢٤ © | اتصل بنا