محمد علي الطاهر
 

نبذة ذاتية

>

صفحة ٣٣

إلـى إسرائيـل . . .

ما حل باليهـود في أوروبا من كوارث مؤسفة و محزنة نتيجة اللاسامية لم يكن معــروفا لدى العـرب ولا ذنب لهم فيه ، حيث كانوا هم أنفسهم في حالة دفاع عــن النفس من التنافس بين الدول الإستعـمارية الأوروبية . أما التجاذب بين مختلف الجاليات والطوائف الدينية حتى ضمن الدين الواحد فهي ليست شيئا مستغـربا في العـالم أجمع . أما العـرب الذين كانوا يتبعـون الدين اليهـودي فكانوا عـرباً يشكلون جزءاً لا يتجزأ من التركيبة العـربية وفسيفساء البحرالأبيض المتوسط  بمزاياها وعـيوبها٢٤ .

فلا العرب ولا اليهود الفلسطينيين كانوا ينوون الإستيلاء عـلى فلسطين كل لنفسه ولا شارع أهل فلسطين من مسلمين ومسيحيين أولئك اليهود حول وجودهم بينهم لأنهم كانوا جميعا "في بيتهم". ولا شارعـت بقية ملل فلسطين اليهـود السامريون ولا السفراد ولا الأشكناز حول وجودهم بينهم ، ويشمل ذلك الأفراد من بين اليهـود الأوروبيين الذين جاؤوا للعـيش مع الفلسطينيين منذ مطلع القرن التاسع عـشر.

وتجدر الإشارة إلى أن تأسيس دولة يهودية أوروبية نشأ عـنه تحد لليهـود الشرقيين من عرب وسفراد أصلهم من اسبانيا الذين لابد وأنهم قد وجدوا أنفسهم في موقف حرج بين أبناء دينهم من الأوروبيين من جهة ومواطنيهم العـرب الذين يشاركونهم أصلهم العـرقي من جهة أخرى . الأمر الذي أدى إلى مرور أجيال عـديدة قـبل أن يعـتادوا عـلى الوضع الجديد .

وفي هذا الصدد هنالك ظاهرة شاعـت خلال العــقود التسع الأخيرة ولاتزال ، ومؤداها اللجوء إلى انتقاء تعـبيرات غـرضها تعـمية الواقع لوصف الخلاف وكأنه بين طائفتان شقيـقتان واحـدة يهـودية والأخـرى عـربية تعـيشان جنبا إلى جنب في فلسطين منذ آلاف السنين . أما كون الخلاف قد نشأ فعـلا إثر موجات الهجرة اليهودية الأوروبية التي تكاثرت في الثلاثينات والأربعـينات والخمسينات بمساعدة بريطانيا فيهـمل تعـمدا ولا يذكر . وتستمر التعـمية مشيرة إلى أن الطائفة اليهـودية الصغـيرة أرادت أن تنفصل وتؤسس وطنا ودولة لها ، غـير أن الفلسطينين غـير اليهـود واجهوا ذلك الإنفصال بالقوة بمساعـدة الجيوش العـربية التي قامت باجتيازالحدود لمنع قيام الدولة اليهـودية .

ويرمي هذا التضليل المتعـمد عـن سـبق إصرار وبصورة متكررة إلى خلط الحقائق في أذهان غـير العـارفين بالأمور. وكما ورد أعـلاه قاوم الفلسطينيون المستوطنين الأوروبيين اليهـود المسلحين الذين جاؤوا طامعـين في الأرض ، وليس الطائفة الفلسطينية اليهـودية التي تعـيش بأمان منذ آلاف السنين سواء في فلسطين أو البلدان العـربية الأخرى .

كما لا يكف الكثيرين بين الأصوليون العـرب واليهـود عـن وصف الخلاف بين الشعــبين عـلى أنه يعـود للقرن السابع الميلادي أي مع ظهور الإسلام . وهذا غـير صحيح . ما يعـود لقرون خلت هـو الخلاف السياسي وليس الديني الذي وقع بين بعــض القبائل العـربية اليهـودية والقبائل العـربية المسلمة في شمال جـزيرة العـرب أيام الرسول . و ما يعـود أيضا إلى قرون غـابرة هـو الصراع بين الأساطير التي تغـذي الخلاف بين الأديان الثلاث إلى يومنا هذا . فضلا عـن أنه ليس من مصلحة أيا منهم أن يعـتمدوا عـلى تلك الأقاصيص والأساطير كأساس تاريخي للخلاف السياسي الحالي .

فالخلافات الأصلية مختلفة من حيث المسببات ومن حيث الحيز الجغــرافي ، كما أنها خلافات بين أناس مختلفين تمام الإختلاف عـما هو عـليه الأمر اليوم . فالخلاف القديم هو خلاف بين عـرب من أتباع ملل مختلفة . أما الخلاف الحالي فهـو بين عــرب مسلمين ومسيحيين من جهة ، وأناس من أجناس أخرى وإن كانوا من أتباع الدين اليهـودي من جهة أخرى .

إذا اعـتمدنا عـلى تلك الأسس المتشابكة لمحاولة إيجاد حـل للمشكلة فسوف يكون من الصعـوبة بمكانة مجـرد القيام بحوار يرتكزعـلى المنطق حول موضوع في غـاية التعــقيد مثل محادثات السلام بين أعـداء في العـصور الحديثة !٢٥

الصفحة السابقة
الصفحة اللاحقة
 
Eltaher.org ٢٠٢٤ © | اتصل بنا