محمد علي الطاهر
 

نبذة ذاتية

>

صفحة ٣٥

رغــم ما ذكرناه أعــلاه يجب ألا نغـفل عـن وجود عــدد كبير بين الإسرائيليين واليهـود الغـربييـن الذين يعـترضون عـلنا عـلى معـاملة حكـومة اسـرائيل للفلسطينيين . وإلى جانب هؤلاء هنالك عــددا متزايدا من الإسرائيليين بما فيهم بين العـسكريين الذين اتخذوا مواقـف عـلنية مبدئية وشجاعـة ضـد حكومتهم عـن طريق رفض تأدية الخدمة العـسكرية في الضفة الغــربية أو في غــزة ، والذين نالوا قصاصا شديدا نتيجة لذلك . وقد اتخذ هؤلاء تلك المواقف لكون نظرتهم أبعـد من تلك التي يتمتع بها محترفي السياسة ، كما أنهم يرون أن اسرائيل تقـع في الشرق الأوسط وليس في جزيرة جـرينلاند في شمال الأطلنطي !  أليست جذور الشعــب اليهـودي في الشرق الأوسط وليس في أوروبا الشرقية أو الغــربية ؟ ذلك ما يردده اليهـود أنفسهم وهم الذين رسموا تاريخهم وتجمعهم حول ذلك الواقع .

عـندما يـرى أعـضاء حـركـات المقاومة السلبية الفلسطينية الإسرائيلية المشتركة المعـاملة غـيـر الإنسانية التي يعـامل بهـا الفلسطينيون من قـبـل النظـام فإنهــم لا يتوانوا عن التعبيـر عن معارضتهم26 . وكـم من شـاب وشـابة حتى بين الأجانب مثل الشابة الأمريكية ريتشيل كـوري Rachel Corrie قـتلـوا أو جـرحـوا عـمـدا أو بـدون قـصـد بسـبب نشاطهـم السلمي القاضي بمنع اسـتمرار إغتصـاب الأرض من الفلسطينيين . ولايزال الكثيرين يقاومون دون أن يخـيفـهم الإرهاب الإسرائيلي .غـير أن الوضع العام في اسرائيل مثله مثل باقي البلاد حيث لا تريد الجمـاهـير سـوى أن تـعـيش ببسـاطـة ودون مشـاكــل فيمتنعون عــن أخذ المبادرة ويتركوا للسياسيين الإمساك بدفـة السفينة دون مسائلة .

لـقـد أصبح الوضع عـلى الأرض بيـن الفلسطينيين والإسرائيـليين يشـبه إلى حـد كبيـر ما كان بيـن رعــاة الـبقـر(الكاوبـوي) والهـنـود الحـمـر في أمريكا فيما مضى! فالحـكـومة الإسرائيـلية والمستوطنون الذين يلعــبون دور "الكاوبـوي" يعــملون كل ما بوسعـهم لعزل الفلسطينيين ودفعهم إلى الموت خنقاً اقتصاديا أو نفسيا. وذلك عن طريق حصرهم كخطوة أولى ضمن محميات مثل تلك التي وُضع فيها الهنود الحمر في أمريكا الشمالية قبل الشروع في ترحيلهم جماعيا نحو الدول العربية المجاورة في أول فرصة تسنح لهم أو على دفعات  .

حيث تقوم بعض المجموعات الإسرائيلية ، خاصة من بين الأصوليين المتطرفين غير المنضبطين التي تفهم سيكولوجية الفلسطينيين بارتكاب اعتداءا ضد الفلسطينيين أو يقومون بتأدية "زيارة" لمركز ديني تدور حوله خلافات بغية جـر أرجل الفلسطينيين على الرد بالمثل ، الأمر الذي يدفع الحكومة إلى قصف السكان العـرب بوحشية بحجة "الدفاع عن النفـس". ومع شديد الأسف لا يزال الفلسطينيون يمكنون اسرائيل منهم بتلك الطريقة البدائية . ولعل أفضل مثال على ذلك هو الصواريخ التي تطلق من قطاع غزة عبر الحدود نحو أهداف غير محددة في الجانب الإسرائيلي .

المزايا التي تتمع بها اسرائيل27

من أهم الأسباب التي تؤمن نجاح استراتيجية اسرائيل هو كونها تفهم عدوها فهما عميقا. حيث تتابع المؤسسة الإسرائيلية نشاط ذلك العدو منذ عشرات السنين ، كما أنها تفهم بصورة عامة طريقة تفكير العرب وخاصة الفلسطينيون. مع الأسف أن فهم المسؤولين الفلسطينين للمنطق الإسرائيلي لم يبلغ نفس المستوى .

تتمتع اسرائيل بالمزايا التالية في محاربتها "للإرهاب المحلي":

١ - اسرائيل متواجدة داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة التي تعتبرها مهد الإرهاب ، الذي يعتبره  الفلسطينيون مقاومة لسيطرة اسرائيل على حياتهم.

٢ - تسيطر اسرائيل على كافى الأراضي والحدود والمجال الجوي والمياه الإقليمية وكافة الموارد المائية والزراعة ، وكل ما يتعلق بالبناء والإعمار في الأراضي المحتلة.

٣ - يتمتع القطاع العسكري الإسرائيلي بحرية دخول الأراضي المحتلة سواء تلك التي تتواجد فيها السلطة الوطنية الفلسطينية في الضفة الغربية ، أو تلك الواقعة تحت سيطرة حركة حماس في قطاع غـزة. ويشمل ذلك الإغتيالات المقصودة ونسف المنازل في بعض المناطق أو الإستيلاء عليها في مناطق أخرى.

٤ - نظرا لكون أراضي اسرائيل تحاذي الأراضي الفلسطينية المحتلة فإن ذلك يمكن أجهزة المخابرات التابعة لها من استخدام مختلف وسائل الرصد وجمع المعلومات.

٥ - تلجأ اسرائيل إلى تشجيع الفلسطينيون سواء مباشرة أو عن طريق خلق الظروف المواتية كي ينتفضوا وينفذوا أعمالا هجومية أو يقوموا بإطلاق صواريخ مصنعة محليا ضد أهداف اسرائيلية كي تستخدم تلك العمليات لتبرير نفي بعض الفلسطينيين أو تبريرها "كعمليات دفاع عن النفس ضد الإرهاب. أما الهدف الرئيسي الذي لم تحيد عنه اسرائيل مطلقا منذ المؤتمر الصهيوني الأول الذي عقد في مدينة بازل بسويسرا عام ١٨٩٧ فهو انتزاع الأرض من الفلسطينيين قطعة بعد قطعة بنفس الطريقة التي كان يتبعها الكاوبوي ضد الهنود الحمر في أمريكا ، ومنعهم من أن تطئ قدمه تلك الأرض إلى الأبد .

وما نراه اليوم ليس إلا استمرارا لنفس المشكلة منذ ١٩١٧ . من جهة هناك حكومة اسرائيل التي ما فتأت تلجأ إلى كافة الحيل التي يمكن أن ينسجها الخيال لضم أقصى ما يمكن ضمه من أراض فلسطينية دون سكانها ، ومن جهة أخرى هناك شعـب فلسطين الماضي في صموده ، والذي يبذل محاولات غـير مجدية للإحتفاظ بأرضه والبقاء عـلى قـيد الحياة رغـم وقوعـه فريسة لمختلف مراكز القوى السياسية والعـقائدية المحلية التي أثبتت عــدم كفاءتها وانعـدام المسؤولية والمحاسبة من قبل المواطنين أيا كانت التسميات أو الألقاب الرنانة التي أطلقوها عـلى أنفسهم . ويعتبر الإسرائيليون أعمال العنف التي يقومون بها ضد الفلسطينيين بأنها إرادة ربانية (مثوى باللغة العبرية) كي يمكنهم استعادة أرض الميعاد كما يعتقدون . أما الفلسطينيون فيبرروا  هجماتهم حتى ضد الأبرياء في اسرائيل بأنها واجب ديني يأمرهم بالجهاد في سبيل الله لتحرير وطنهم من أيدي المحتلين الأجانب .

إذا نظرنا إلى الواقع بما فيه من عــلل ، فقد أصبح تاريخ شعــب فلسطين جـزءا من تاريخ اسرائيل ، كما يشكل تاريخ اسرائيل جزءا من تاريخ الفلسطينيين . ومن مصلحة الشعــبان أن يعــرفا تاريخ بعـضهما البعـض كما هو في الواقع وليس كما يحلو لمخيلتهم أن تراه . فـقـليلون هم الذين يعـرفـون ، بينما يظن البعــض أنهم يلمـون بهذا التاريخ ، في الوقت الذي ليست لديهم أي فكرة عـنه . أما غـالبية القـوم فيعــيشون وكأن الأمـر لا يعــنيهم .

الغـرض من تحليل الأمور كما تقدم هـوالفـصل بين الصالح والطالح وتسمية الأشياء بأسمائها عـلى ضوء التاريخ والواقـع الحالي وليس عـلى أساس الأساطير والحواديت القديمة .

الصفحة السابقة
الصفحة اللاحقة
 
Eltaher.org ٢٠٢٤ © | اتصل بنا