محمد علي الطاهر
 

نبذة ذاتية

>

صفحة ٥٠

ميدان العتبة الخضراء بالقاهرة عام ١٩٤٥
حيث تظهر لوكاندة مصر في مؤخرة الصورة

خلال إحدى مراحل اشتباكه مع الاستعمار الفرنسي عام ١٩٤٥ ، هرب بورقيبة من تونس بزورق صيد نقله من جنوب تونس إلى الساحل الليبي القريب منه . ومن هناك عبر مئات من الكيلومترات راكباً أحياناً وراجلاً أحياناً أخرى إلى أن وصل القاهرة . لم تكن القاهرة وقتها بمثابة "أم الدنيا" بالنسبة لرجال الحركات الوطنية العربية والإسلامية الساعين إلى تعريف العالم بصراع بلادهم من أجل الاستقلال فحسب ، بل أضحت مأوى للأوروبيين الهاربين من ويلات الحرب في بلادهم . أي أن مصر وفرت الملجأ والأمن والطمئنينة لكل من المستعمِر والمستعمَر !

وقد سمع أبو الحسن بوجود بورقيبة في مصر من بعض الناس . فأخذ يبحث عنه في فنادق القاهرة واحداً بعد الآخر إلى أن وجده في "لوكاندة مصر" بميدان العتبة الخضراء في وسط القاهرة . وشاءت الصدف أنه لما وصل أبو الحسن إلى الفندق كان بورقيبة جالسا عند المدخل قرب مكتب الاستقبال ، ولم يكن أحدهما قد رأى الآخر من قبل فلم يعرفا بعضهما البعض ، إلى أن سأل أبو الحسن موظف الفندق إذا كان "الزعيم بورقيبة" مقيماً في الفندق . فنظر إليه الموظف باستخفاف لأنه لا يوجد زعماء ينزلون في فندق شديد التواضع مثـل "لوكاندة مصر" . إلاّ أن بورقيبة سمع اسمه فوقف صائحاً : "أنا بورقيبة . لابد أنك محمد علي الطاهر" . فتعانق الرجلان وكان منظراً مؤثراً لهما ولموظف الفندق الذي كان أكثر منهما تعجباً لهذا اللقاء الفريد من جهة ، ولاكتشافه فجأة أن هناك "زعماء" يقيمون في فندقه من جهة أخرى !

اصطحب أبو الحسن بورقيبة من الفندق وتوجها إلى مقهى قريب ليتذاكرا في شؤونهما وشجونهما واطّلع أبو الحسن على الأوضاع في تونس وما يأمل بورقيبة من تحقيقه في مصر . كما وقف على ما هو مألوف بين المناضلين الصادقين أي قِصَرْ ذات اليد ، خاصة وأنهم يعتاشون وينفقون في سبيل قضيتهم من جيبهم واعتماداً على ما يجمعه المخلصون من تبرعات لمساندتهم في نضالهم . وأول العارفين بذلك الواقع هو أبو الحسن نفسه . وإن كان وضعه المالي أقل سوءا وقتها من وضع محدّثه ، إلاّ أنه فتح محفظة نقوده وتناول منها كل ما فيها وهو ٢١ جنيها مصريا من عملة ذلك العصر . فأعطى نصف المبلغ لبورقيبة واحتفظ بالنصف الآخر لنفسه ولأسرته . ثم أسّر لبورقيبة بأن أحداً لن يستمع إليه أو يقابله إن هو بقي في "لوكاندة مصر" المتواضعة هذه وأن عليه أن ينتقل للسكن إلى مكان آخر . وبطبيعة الحال رأى بورقيبة وجاهة هذا الاقتراح من حيث المنطق ، إلا أنه لم يجد الاقتراح معقولاً من حيث التنفيذ . غير أن أبا الحسن طلب منه إمهاله يوما أو يومين كي يتدبر الأمر .

اتصل أبو الحسن بعدها فوراً بصديقه اللواء صالح حرب باشا ، وكان صالح باشا في وقت ما وزيرا للحربية في مصر قبل تقاعده ، ثم ترأس جمعية الشبّان المسلمين (وهي غير جماعة الإخوان المسلمون)  ، وكان لها نادياً رياضياً في شارع رمسيس بالقاهرة . وحيث أن صالح باشا من صعيد مصر ، فلم يكن له بيت في القاهرة ، إلا أنه قد خُصصت له غرفة في مبنى النادي كان ينام فيها  كلما تواجد في القاهرة . قابل أبو الحسن إذاً صالح باشا وقص عليه قصة بورقيبة، ثم أقنعه بأن يتنازل عن غرفته هذه بعض الوقت لإسكان بورقيبة فيها لريثما يتم إيجاد مأوى له في مكان اَخر . فوافق صالح باشا وترك غرفته لبورقيبة !

الصفحة السابقة
الصفحة اللاحقة
 
Eltaher.org ٢٠٢٤ © | اتصل بنا