محمد علي الطاهر
 

نبذة ذاتية

>

صفحة ٣٨

 

ماذا يريد الإسرائيليون؟

الأمـر المثير للتعجب هـو أن الأمة ذات الشهـرة العـالمية في العــديد من المجالات مثل الفـنون والعـلـوم والفلسفة والأعـمال الخيرية والشؤون المالية والإعـلام وغـيرها ، أي الأمة اليهـودية ، قد تخلت عن مُـثُـلها اليهـودية العـالية واستقلالها الفكري الذي تشتهر به بين أيدي سياسيين متطرفين ورجال ديـن أصوليين . ليس هذا فحسب ، بل يساندون بطريقة شبه عـمياء ودون أي مساءلة دولة تصف نفسها بأنها "الديموقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط" في حين أنها أصبحت رائدة بين الدول في مجال انتهاك حقوق الإنسان مثلها مثل العـديد من الدول العـربية المحيطة بهم وإن كان ذلك خلف ستار قانوني يكاد المرء أن يصدقه .

لو أن نفس الجهود والـوقت والمثابرة والمال والفكرالخلاق الذي بذلته الحكومات والمنظمات ومؤسسات الدراسات في تخليد المصائب التي حلت بالشعـب اليهـودي في تاريخه إلى جانب البحث عـن المخربين في كل شيء وأي شيء عــربي أو إسلامي ، لو كان نصف تلك الجهود قـد استثمر في البحث عـن تسوية ملائمة للطرفين بينهم وبين جيرانهم الفلسطينيين ، لكان بالإمكان إيجاد تسوية مقبولة للطرفين منذ زمـن طويل .

هذا وتعـود مسؤولية المبادرة عـلى الإسرائيليين أولا لأنهم هـم المحتلين وليس عـلى الفلسطينيين . غير أنه يتعين على الفلسطينيون أن يلعبوا دورهم كشريك كامل في المبادرة . ورغــم ما عـاناه الفلسطينيين من آلام وحـرمان فإنه يعود عـليهم سواء كانوا يسكنون الضفة الغربية أو غـزة أو في أي مكان من العالم أن يعملوا ويثابروا في الإستفادة من كل الوسائل المتاحة لهم لدعم صمودهم الداخلي والخارجي وعـدم إضاعة فرصة إيجاد تسوية ترضي الطرفين وإلا فعلى السلام السلام كما ورد أعلاه .

 أما ما يكرر ذكره رئيس وزراء اسرائيل السابق الجنرال إيهود باراك حول "العـرض السخي" الذي تقدمت به اسرائيل ورفضه الزعـيم الفلسطيني الراحل ياسر عـرفات ، إنما هو مجـرد واحدة من العـبارات الرنانة غـير الصادقة التي تخترع من وقت لآخرمثل الإعـلانات التجارية والتي تذاع باستمرار حسب المثل الشائع "التكرار يعــلم الحمار"! فباراك الذي يكرر تلك العـبارة التي تشبه مقولة "أرض بدون شعب لشعب بدون أرض"  وكل من حوله يكررها بعـده كالببغـاء يعـرف ذلك حـق المعـرفة . لو كان الوضع معـكوسا وقُـدم عـرضا "سـخيا" من هذا النوع له لكان باراك أول الرافضين لـه .

لقد حقـق أتباع الدين اليهـودي حلمهم التاريخي القاضي بجمع الشمل ، وهـو الأمر الذي وضع بين أيديهم في النهاية ليس فـقط الأماكن المقدسة اليهـودية بل المسيحية والإسلامية أيضا . أما السياسة التي تتبعـها حكومة اسرائيل باسم يهـود العـالم والقاضية بسحب الأرض من تحت أقدام شعـب فلسطين عن طريق بناء مستوطنات أو غيرها من الحجج ، فلا يمكن وصفها سوى بالجشع الرسمي . غـير أنه من حسن الحظ أن تلك السياسة لا تحظى بتأييد جميع اليهـود سواء في اسرائيل أو في العـالـم .

في كتابه الصادرعـام ٢٠٠٩ والمعـنون "دولة واحدة أم دولتان : إيجاد حل للخلاف بين اسرائيل وفلسطين" الذي يستعـرض فيه مختلف الإقتراحات المتداولة لإيحاد حـل في المستقبل للقضية الفلسطينية ، يشير الكاتب بِـنّي موريس بدون اقتناع إلى ما كتبه كاتب آخـر هـو توني يـود الذي يصفه بِـنّي موريس بكونه "من يهـود المحرقة" في مقال نشر له عـام ٢٠٠٣ بعـنوان "اسرائيل: الحل الآخـر" حين يقول توني يود أن "اليهـود غـير الإسرائيليين يجدون أنفسهم معـرّضين للهجوم بسبب أشياء لم يقترفـوها (أي تصرفات اسرائيل في الأراضي المحتلة – كما يفسر بِـنّي موريس) . غـير أنه في تلك الحالة فإنهم أسرى في أيدي دولة يهودية وليس دولة مسيحية . ويضيف يـود قائلا: "أن الواقع المؤلم هو أن اسرائيل اليوم ليست في صالح اليهـود"32 .

يقول بِـنّي موريس أنه "من الواضح اليوم أنه لا يوجد أي مسؤول اسرائيلي عـلي استعـداد للإنسحاب من الضفة الغـربية ، سواء من جانب واحد أو بالإتفاق مع الفلسطينيين قبل أن تكون لدي جيش الدفاع الإسرائيلي الإمكانيات التقنية لحماية التجمعـات السكانية من الصواريخ القصيرة المدى )أي التي تطلق عـليها من قطاع غزة ( . هذا بالطبع لا يزيد عـن كونه ورقة تـيـن . فالسبب الحقيقي هو أن اسرائيل لا تريد أن تترك الأرض تفلت من بين يديها . ويقول بِـنّي مـوريس فيما بعـد أن "غــالبية الإسرائيليين لا يزالوا يفضلون الإنسحاب من الضفة الغـربية ضمن إطاراتفاقـية سلام مع الفلسطينيين" . إلا أنه يضيف إلى ما صرح به بأنه "من غــير الـواضح إذا كان الإسرائيلييـن يساندون اتفاقـا يقـضي بانسحاب اسرائيلي من مدينة الـقـدس بكاملها أو من أجزاء كبيرة منها بدون اتفاق سلام شامل ونهائي". ثم يستند عـلى نتائج استطلاعـات الرأي بين الإسرائيليين ويقول أن "الغـالبية العـظمى بين الإسرائيليين يساندون التقسيم وحـل القضية عـلى أساس دولتان كما بينت استطلاعـات الرأي باستمرار منذ عـدة عـقود من الزمن33 ".

اليوم لا أحد يبالي لدى الطرفان . في بعـض الأحيان ينفذ الجنود الإسرائيليون الأوامر التي تأتيهم بدون روية ، وفي أحيان أخرى يأتي هؤلاء الجنود وضباطهم وقادتهم من أسـر أصولية في تدينها أو أسـر ناشطة في الحركات السياسية المتطرفة وعـلى ثـقة بأنهم عـلى حـق فيما يتقترفونه .

والفلسطينيون يعـتقدون من جهتهم بأنهم لا يخسرون شيء إذا استشهدوا سـوى أغـلالهم . ويعــتبرون أن الصمود ومقاومة المحتل عسكريا هو الشيء الوحيد المتبقى لهم والذي يفتخرون به . وهو وضع لا يختلف عـما كانت عـليه المقاومة الفرنسية ضد الإحتلال النازي في الحـرب العـالمية الثانية . حيث لم تثبت حركات المقاومة هذه فعاليتها ميدانيا أمام الجحافل النازية ، غير أنه يستحـيل عـلى المواطنين أن يُكتّــفوا أيديهم ويتركوا عـدوهم يسحقهم . ومقاومة الحي اليهـودي "الجـيتـو" في العاصمة البولندية وارسـو للنازيين الذين بنـوا هـم أيضا حائط حول الحي لعـزل اليهـود تشكل نموذجا آخـر . وقد تجـلب الصواريخ التي تطلق عـلى المستعـمرات الإسرائيلية راحـة نفسية لمطلقـيها ، ولكنها توفـر لإسرائيليين ما قد يدفعـون ذهبا ثمنا له وهو تسويغ لضرباتهم الإنتقامية الوحشية باسم الدفاع عـن النفس . والعـالم يوافقهم عـلى ذلك .

يقول المثل الشائع "من جـد وجـد" . والجد يتطلب إرادة ، وإلى اليوم تلك الإرادة غـير متوفـرة ، وإن لاحت في الأفق تحولوا عـنها أو تجاهلوها أو قتلوها . فكل من المتطرفين الإسرائيليين وجماعـة الـ (AIPAC ) الذين يتوجون الملوك والذين يعـتبرون أنفسهم الطرف الحقيقي الوحيد في تلك القضية لم يكن عـندهم أي اهتمام بالتوصل إلى حـل لا يعـطيهم اجمالي فلسطين دون أي فـلسطيني لا يزال يـتـنفس عـليها . ولـو تمكنوا من استـئصالهم (التعـبير الألماني الأكـثر دقـة لوصف ذلك هـو "فـرنيشتونج") أو إبعـادهم عـبر الحـدود نحو الأردن أو لبنان أو سوريا أو مصر ، أو تفريغـهم في مكان ما في نهاية المعـمورة لقاموا بذلك منذ زمن طويل .

الصفحة السابقة
الصفحة اللاحقة
 
Eltaher.org ٢٠٢٤ © | اتصل بنا