محمد علي الطاهر
 

نبذة ذاتية

>

صفحة ٣٩

من يحكم الفلسطينيين؟

مثلهم مثل اليهـود ، لدى فلسطينيي الأراضي المحتلة حكومتان . واحدة تعتبر نفسها أنها تمثل الحكم السمواي في غــزة والأخرى تمثل الحكم الدنيوي عـلى الأرض في الضفة الغــربية . وهي تعـكس بذلك إلى حـد ما حكومة اسرائيل في القدس وحكومة (AIPAC) في واشنطن . وبطبيعـة الحال تتوقف أوجه المقارنة هنا لأنه في الوقت الذي تتمتع فيه اسرائيل بنفوذ  قوي في معـادلة العـلاقات الدولية ، فإن الفلسطينيون ليس لهم أي نفوذ على الإطلاق باستثناء الأماكن المقدسة المسيحية التي لم يعـد لها نفس الوزن في معادلة العلاقات الدولية كما كانت فيما مضى. فبدون حـقـن اقتصادية في الوريد لمساندة الأراضي المحتلة من الخارج ، لا يمكن للفلسطينيين أن يحيوا معـتمدين عـلى أنفسهم خاصة وأن حنفية الأوكسيجين الذي يتنفسونه في يـد اسرائيل.

قبل الكشف عن مفاوضات السلام السرية التي كانت جارية في أوسلو عام ١٩٩٣ وما تبعـها من اتفاقيات ، ظهر سـيل من التقارير الصحـفية حول وجود دورات لتدريب قـوة شرطة وأمن فلسطينية في مصر والأردن . قـد يخال للمرء أنه بعـد عـقـود من الزمن تخللتها ظروف احتلال البلاد واسـتحلال الممتلكات والعـنف ، سوف يجد الفلسطينيون أمامهم باب الأمل وقد انفتح نحو مستقبل أفضل ، ولكنهم وجـدوا أنفسهم أمام المزيد من الشرطة . فبدلا من إعـداد أطباء وممرضات ومدرسين ومزارعـين وأخصائيو الري والإقتصاد الزراعـي وفرص العـمل ، وجد الفلسطينيون أن زعـماءهم بضغـط مباشر وغـير مباشر من اسرائيل والولايات المتحدة بالتعاون مع مصر والأردن يمطرونهم بالمزيد من البوليـس والجواسـيس وكأنهم مجـرمين لا أمـل في إصلاحهم !

وها نحن نرى اليوم ومنذ عام ٢٠١٢ أنه قد فرضت على الفلسطينيين في الضفة الغربية قوة أمن دولية أخرى مكونة من رجال شرطة وعسكريين . وتقوم تلك القوة بتدريب الشرطة الفلسطينية وأفراد المخابرات على أفضل الطرق الحديثة للتحكم بالشعب الفلسطيني . هذا إلى جانب مراقبة قوات الأمن الفلسطينية ذاتها . ويحاكي ذلك ما قام به النظام النازي في ألمانيا أبان الحرب العالمية الثانية من تشكيل قوات "الكابو" اليهودية لضبط المساجين في معسكرات الإعتقال ! ومع معرفتنا بما يحصل لازلنا نتعجب عندما تثور الشعوب ويقوم بعض المواطنين بأعمال عنف نطلق عليها تسمية "نشاطات إرهابية" . فهل تعلمنا شيئا من التاريخ ؟

عـانى الشعــب الفلسطيني منذ ١٩١٦ من جـبروت بريطانيا وجـيشها وشرطتها ومخابراتها ، ثم تبعـهم المصريين والأردنيين بحكمهم العـسكري ، إلى أن طبق عـليهم الإسرائيليين أساليب الخنق في كل مـن غــزة والضفة الغــربية ، وأخيرا جائتهم السلطة الفلسطينية وحماس كل في دُوُقِـيّـتِهَا وطبقت عـليهم ما تعـلمته من أساليب القمع من كل من سبقهم وذكر أعـلاه . هذا دون أن نغـفل مختلف أنـواع الإجـراءات الإستثنائية التي رزح تحتها سكان المخيمات المبعـثرة في كل من لبنان وسـوريا والـعـراق والأردن وغــزة والضفة الغــربية ، سواء من قبل أجهزة الأمن في الـدول المضيفة أو نتيجـة المنازعـات بين مختلف الفصائل الفلسطينية التي تتنافـس للسيطرة عـلى هؤلاء الغـلابة . وتجـدر الإشارة هـنا إلى أن كافة شـؤون اللاجئيـن الفلسطينيين في معظم الـدول العـربية منذ ١٩٤٨ تـدار من قـبل مختلف أجهـزة المخابـرات في الدول المضيفة ! هذا إلى جانب التعــقيدات التي لا يمكن تصورها التي يعـاني منهـا اللاجئين الفلسطينيين إلى يومنا هذا كلما أرادوا السفـر ليس إلى منتجـع أحـلام ، بل لمجرد زيارة أقارب وأفراد من الأسرة أو بحثا عن علاج طبي في إحدى الدول العربية المجاورة على سبيل المثال .

والآن ماذا يجنون بعـد كل ذلك العـذاب ؟ معــتقل واسع شاسع في غــزة والضفة الغــربية مع حـرس منهم وفيهم كما كان يفعـله النازيين في معـتقلات الحشد ، هذا إلى جانب شرطة الحدود الإسرائيلية وجيش الدفاع الإسرائيلي ومختلف أجهزة المخابرات و ما تنجح في تجنيده من عملاء بينهم . كما استُخْدِموا كأهداف حـية كي يتمرن جنود جيش الدفاع الإسرائيلي عـلى التدرب عـلى الرماية ، وساحة تجارب لكل من يتم ابتكاره في فـن صناعـة أسـلحة الهلاك والدمار الشامل التي تخرجها المصانع الإسرائيلية وغـيرها من البلدان التي لا تجرؤ أن تجربها على أهداف حيّة في بلادها .

وكل ذلك لأن الفلسطينيون صامدون ويرفـضون أن يُخـلوا بلادهـم كي تستولي اسرائيل عـلى أرضهم ، وهذا هو هدفهم منذ اليوم الأول للحركة الصهيونية . لا شـيء آخـر!

الصفحة السابقة
الصفحة اللاحقة
 
Eltaher.org ٢٠٢٤ © | اتصل بنا