وقد قارن أبو الحسن بين وفاء الإنجليز حيال اليهود ووفاء العرب حيال فلسطين في تلك الأيام فقال في كتاب "معتقل هاكستب" : "مع أنه لا يوجد بين الإنجليز واليهود أية صلة قومية أو دينية أو عرقية أو أرضية ، فإنهم لما وعدوا اليهود بإنشاء الدولة اليهودية في فلسطين لم يخلفوا وعدهم ، بل وفـوا بحذافـيره بعد أن كلّفهم الوفاء به سيولا من دماء جنودهم ، والملايين من أموالهم وحتى سمعتهم أيضا ، فقد قاتلوا أهل فلسطين مدة ثلاثين عاما ، وارتكبوا معهم أنواع الفظائع ، وتحملوا عداوة الدنيا بأسرها . ولكنهم مع ذلك لم يتراجعوا عن وعدهم شبرا واحدا ، وما خرجوا من فلسطين الا بعد أن أخمدوا العرب وحاصروا أهل فلسطين وفصلوهم عن إخوانهم ، وأقاموا الدولة اليهودية وانصرفوا غير مشكورين من اليهود !"
|
أعضاء اللجنة العربية العليا الذين نفتهم سلطات الإنتداب البريطاني إلى جزر سيشل عام ١٩٣٧ لتجميد القيادات الفلسطينية
من اليمين إلى اليسار: يعقوب الغصين ، رشيد الحاج ابراهيم ، أحمد حلمي باشا ، الدكتور حسين الخالدي ، فؤاد سابا |
"هكذا كان وفاء الإنجليز لليهود . أما وفاء العرب للعرب فكان ما رأيتم وسـمعتم ، جعجعةً وخطباً وتهويلات وحفلات وقرارات ووعوداً خدرت أهل فلسطين
|
المناضل الفلسطيني عبد القادر الحسيني
الذي قتل في ساحة المعركة خلال حرب ١٩٤٨ |
وأماتت روح الجهاد والمقاومة دفاعاَ عن وطنهم من نفوس أكثرهم . لأنه لم يخطر ببال أحد أن الجامعة العربية كانت تكذب عليهم ، وأن دولاً عربية تحيط بفلسـطين تسوق إليها جيوشها . ثم تـقف بغتة وتتراجع ، ثم تنسحب إلى بلادها ". وأضاف أبو الحسن في صفحة أخرى من كتاب "معتقل هاكستب" قائلا: "لقد حارب الفلسطينيون جيش الإنجليز ومعهم اليهود من أوائل سنة ١٩٣٦ إلى أواخر سنة ١٩٣٩ حرباً حقيقية وكسروا الجيش البريطاني الأول الذي كان يقوده الجنرال ديـل١٨ ، ثم هزموا الجيش الثاني الذي جـاء بعده بقيادة الجنرال ويفل١٩ سنة ١٩٤٨ ، ثم مزقوا الجيش الثالث الذي جاء بعد ذلك بقيادة الجنرال هيننج٢٠ سنة ١٩٣٩" .
لـو أن الحكومات العربية ساعدت الفلسطينيين عـام ١٩٤٧ و ١٩٤٨ في الوقت المناسب على الحصول على أنـواع الأسـلحة التي كانوا بحاجة إليها وسمحت للمتطوعين العرب بالإنضمام إلى المجاهدين بدون أن تتدخل تلك الحكومات رسميا، لتمكن عبدالقادر الحسيني قائد المجاهدين الشهير من إحراز النصر هو وقواته والمتطوعين الذين انضموا إليهم يعاضدهم إيمانهم بحق وطنهم ودفاعهم عن حرماتهم .
يتحلى العرب بمزايا هائلة ، ولكنها سرعان ما تختزل نتيجة معوقات يمكنهم تخطيها لو أرادوا . فمشكلتهم الأساسية التي يعانوا منها هي انقساماتهم الدائمة. حيث تفرق بينهم القبلية والإنتمائات الدينية والمذهبية . كما ينهكهم التنافس السخيف والطموحات الشخصية المتضاربة. وتجدهم على استعداد للدخول في معارك جانبية بينهم البعض ربما أكثر من استعدادهم لمواجهة أعدائهم .
وتجدهم يتناقشون طويلا في المسائل السياسية ويحللونها تحليلا مستفيضا ويقترحون حلولا لها . غير أنهم بمجرد أن يشبعوا ولعهم في الخطابة والبيان فإنهم لا يلبثوا أن يعودوا إلى بيوتهم معتقدين أن المسألة قد تم حلها . فلا يخطر ببالهم آليا أن ما بذلوه فكريا إنما يجب أن يضعونه ضمن مخطط ثم يقومون بتطبيقه ومتابعته إلى أن يتم حل المشكلة. فسرعان ما يضيق نفسهم عندما يتطلب الأمر الصبر والثبات لفترة طويلة ، وسرعان ما يقنتون وتثبط عزائمهم . غير أنهم إذا كانوا تحت قيادة سياسية أو عسكرية جيدة ومتفتحة ، أو إذا كان الأمر يتعلق بمشاريع تجارية تخصهم ، فإنهم يرفعون الرأس ويبلون بلاء حسنا .
ونتيجة لتلك المعوقات السلبية وخاصة التنافس بين الملوك والرؤساء طوال النزاع بين الإسرائيليين والفلسطينيين ، فإنهم لم يتمكنوا من حماية فلسطين من المهاجرين الأوروبيين اليهود المسلحين خلال معارك فلسطين ما بين ١٩٣٦ و ١٩٤٨ . هذا في الوقت الذي كان اليهود فيه يتمتعون بقيادات متفانية ومتبتلة وعلى مستوى عال من الكفاءة وحسن التنظيم ويقودون مقاتلين مدربين تدريبا جيدا ويتبعون تكتيكا مرنا وقدرة على تنفيذ العمليات بأخذ البادرة ودون انتظار الأوامر من قيادات على بعد شاسع من ميادين القتال.