نظـرة من زاوية مختلفة نحـو حل للنـزاع بين اسرائيل والفلسطينيين
تـمـهـيــد
لم تبقى محاولة من المحاولات التقليدية لإيجاد حـل للواقع الأليم بين الفلسطينيين والإسرائيليين دون أن يتم تجربتها أو الخوض فيها طوال سنين . وقد حان الأوان لإعادة التفكير بحـل لتلك القضية قد يبدو للبعض بأنه خارج عن المألوف .
إذا لم يتم إيجاد حل معقول للقضية الفلسطينية قد تصبح تلك القضية محركا لوقوع المزيد من أعمال العنف أو على الأقل أن يستخدمها البعض كعذر للقيام بأعمال عنف في الشرق الأوسط قد تنتشر على الصعيد الدولي . غير أن ذلك يجب ألا يكون الدافع الوحيد ، فإيجاد حـل لتلك القضية الإنسانية هو سبب كاف بحد ذاته.
تشكل المقاومة الفلسطينية المستمرة والتي تجنح أحيانا إلى العنف ضد ما تبتكره اسرائيل من مخططات خلاقة تهدف إلى ضم ما تبقى من وطنهم مثالا لذلك. أما المثال الثاني فهو انتفاضة الجيتو اليهودي (أي حي اليهود) ضد النازيين في مدينة وارسو الذي كان يشكل دفاعا عن النفس وليس حركة إرهابية كما كان النازيين يصفونه. فهذا النوع من أعمال العنف يختلف عن تلك التي ترتكب ضمن عقيدة سياسة أو عقائدية أو دينية. وبينما يمكن لحركات المعارضة السياسية في البلدان ذات النظام الديموقراطي الفعلي أن تعبر عن وجهة نظرها المعارضة ضمن القوانين التي تضمن لها تلك الحرية ، فإن من يلجأ إلى أعمال العنف في كنف تلك البلدان إنما هم إرهابيون بكل معنى الكلمة . ولذلك يجب الحرص دائما على تسمية الأشياء بأسمائها.
يعــلم الجميع اليـوم بأن أساس الخلاف بين شعــبي فـلسطين واسرائيل ليس خلافا عـلى ديـن أو عــقيدة ، باستثناء طبعـا بين الأصوليين الدينيين والمتطرفين في الجانبين . هذا دون أن نغــفـل بالطبع محتـرفي السياسة المتطرفين مثلهم مثل أقـرانهم في مختلف أنحاء العـالم الذين تهمهم السلطة والكسب الشخصي والولع في اللعــبة السياسية .
يعتبر شعب فلسطين نضاله بكل بساطة معارضة ومقاومة لغزو من قبل أغـراب ولظلم واستبداد وتسلط وسلبطة من قبل أناس بحـق أُناس آخريـن. حيث يعتبر اليهود الصهيونيون الذين انتزعوا البلاد من الفلسطينيين يعتبرون "مشروعهم (أي الإستيلاء على فلسطين) وتطلعاتهم بأنها عادلة ومنزلة من الذات الآلهية وعلى مستوى عال من الفضيلة"٢١.
لا ينازع أحدا ارتباط الشعب اليهودي روحيا بالأرض المقدسة في فلسطين مثله مثل ارتباط المسيحيون والمسلمون بنفس الأرض. هذا دون أن ننسى تأثير الدين اليهودي على كلا من الإسلام والمسيحية. فقد ولدت الديانات الثلاث في مناطق متقاربة جدا. كما أن القصص والحكايات التي تروى في الكتب المقدسة للديانات الثلاث هي الأخرى متطابقة إلى حد كبير. ويعتبر معظم المؤمنون أن تلك الأقاصيص تعكس أحداثا تاريخية مثبتة ، وإن كان ذلك قابل للنقاش رغم ورود إشارات في تلك الأقاصيص إلى أماكن جغرافية أو تاريخية حقيقية .
هـل هـنـاك حــل للـنزاع بين اسـرائيل والفلسطينيين؟
الجـواب هـو نـعـم ! غـير أن محمد علي الطاهر توفي قبل أن يتمكن أي كان في اسرائيل والعالم العربي من فـتـح موضوع البحث عن حـلـول أو حتى التفكير بها سوى عـبر فوهة المدفـع . فعـند وفاته عام ١٩٧٤ كانت فلسطين في جميع الأحـوال قـد اختفـت والجرح كان لا يزال ينزف . كما أن معرفته بواقع العالم العربي وكذلك حالة شعـب فـلسطين بينت له ولغيره أنه لم يكن هنالك أمـل في المستقـبل .
وقد رأى القائمين عـلى إعـداد وتطـويرهـذا الموقـع أنه يجب عليهم أن لا يتوقـفوا عند سـرد قـصة محمد علي الطاهـر ، بل الإرتكازعلى تجربته المـرة والنظر إلى المستقـبل على ضوء الحاضروليس فقط على ضـوء الماضي .
علما بأن الفلسطينيين الذين رأوا وطنهم يختفي من تحتهم كما لو كانت رمال متحركة قد ابتلعته ، لما كان في استطاعـتهم أن يفكروا بسيناريـو يفرض عليهم المساومة على وطنهم ، فمن غـير المتوقـع مطلقا من جهـة سيكولوجية أن يفكر أي إنسان بالمساومة حـول وطنه ليس فقط بالنسبة للفلسطينيين ولكن بالنسبة للإسرائيليين أيضا في يومنا هذا . غـير أنه إذا نظرنا إلى الأمور كما هي عليه اليوم فإنه لا يضير أن نحاول إنقاذ ما يمكن إنقاذه وذلك لمصلحة الطرفان بل ولمصلحة العالم أجمع.
فيما يلي اقـتراح للمداولة يختلف عما هـو مطـروح حتى الآن للخـروج من الأزمة كما هي عليه اليـوم . حيث يدعو الحـل المقترح في بداية الأمر إلى إيجاد تسوية ملائمة لكل من الطرفان تؤدي فيما بعد إلى حل مناسب حبذا لو تم تطبيقه. علما بأنه إذا لم تلعب دولة عظمى مثل الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها الرئيسيين دورا مباشرا كطرف في الموضوع وليس فقط كوسيط أوعامل مساعد، فإنه من العـبث توقع التوصل إلى حـل قابل للتطبيق. فالواقع الحالي بين العـرب واليهود أكان سياسيا أو دينيا فإنه لا يمكن أن يؤدي إلا إلى كارثة محققة .
تتطلب التسوية التدريجية المقـترحـة من الذين سيطلعـون عـليها أو العمل بموجبها فصلا فعليا بين الطرفان لإعـطائهما مجالا للتنـفـس لـفـترة من الـزمـن قـد تطـول أو تقـصر حسب الظـروف المحيطة بهما . أما بالنسبة لمرحلة السلام ، فـقـد تتطلب عـدة سنوات قـبل البحث فيها. علما بأن هـذا الأسلـوب التدريجي سـوف يسمح للطـرفان في نهايـة الأمـر بالتخاطب كشـركاء متمدنين وليس كسـكان الكهـوف في عـصور ما قـبل التاريخ .
كي يتمكن المرء من تناول موضوع السياسة أو الدين بكيفية واقعية وفعالة يجب عليه أن يكون ملما بواقع الأمور لدى كلا من الجانبين . أي أنه يتعين على الفلسطينيين أن يتفهموا الموقف الإسرائيلي ، كما يجب على الإسرائيليين أن يضعوا أنفسهم في مكان الفلسطينيين . فضلا عن ذلك يجب على كل جانب أن يكون على استعداد لأن يعيد النظر في بعض معتقداته السياسية والدينية التي يعتبرها غير قابلة للنقاش وأن يسمع أشياء هو غير معتاد على سماعها أو لا يريد أن يسمعها . على أن يأتي إلى طاولة المحادثات وفي نيته إيجاد حلول وتقديم تنازلات وليس لمجرد المناقشة والمناورة . وأي حل يمكن التفكير به يجب تناوله بطريقة مبتكرة ومختلفة عما سبقها من طرق ، ويجب أن يتحلى الذين سوف تناط بهم مهمة إيجاد الحل المنشود بروح وفطنة تختلف عما كان مألوفا حتى الآن . وأخيرا عليهم أن يتحلوا بأقصى حدود الصبر .
يبدأ الحل المقتـرح فيما يلي بتقديم خلفية حـول أبعاد التعقيدات المحيطة بتلك القضية المتشابكة بين العـرب والفلسطينيين المسلمين والمسيحيين منهم من جهة والإسرائيليين واليهـود من جهة أخرى ، وكذلك ما يصبو إليه عـامة الناس لـدى الشعـبـان .
|