محمد علي الطاهر
 

نبذة ذاتية

>

صفحة ٤١

الإفلات من القيود الفكرية

حاول العـديد من دول العـالم القيام بعـمل ما حيال المسئلة الفلسطينية ولكن لم ينجح أيا منهم بصورة محققة . وإذا أخذنا بعـين الإعـتبار عـالمنا كما هو عـليه اليوم ، إذا لم تقم دولة عـظمى تنصت إليها اسرائيل فلن يكون هناك مخرجا من الأزمة . والدولة الوحيدة التي قـد يمكنها القيام بهذا الدور اليـوم هي الولايات المتحدة . إلا أن الولايات المتحدة مشلولة أولا بسبب تراكم مشاكلها من جهة ، ثم هناك تبعـية النظام السياسي الأمريكي المستمرة للمتطرفين من يهـود أمريكا وحلفاؤهـم الأصوليين المسـيحييـن الإنجيليين ، هـذا إلى جانب استخدام التهديد النـووي المموه باستخدام السلاح النووي من قـبـل اسرائيل .34

عـلماً بأن الوضع الحالي بيـن الطرفـين الإسرائيلي والفلسطيني وضمن كافـة الدول العربية في المنطقة قد تغـير تغـييـرا ملموسا منذ ١٩٤٨ ، فالقيادات الإسرائيلية والفلسطينية الحالية إما أنها غـيرقادرة عـلى تحـقيق السلام أو أنها غـير مؤهلة لذلك ، وإما لأن السلام غـير مدرج في جدول أعـمالها . وأي حلول مجدية يمكن طرحها أضحت تتطلب مستوى تفكير وأساليب مبتكرة ليست متوفرة لدى المسؤولين والمتزعـمين الحاليين في جميع تلك البلدان بما فيهم المسؤولين الإسرائيليين والفلسطينيين ، وجلهم غـير مؤهل ، ليس فقط للتفكير عـلى هذا المستوى ، بل وحتى مجرد أن يحلموا بتلك الحلول .

فـرغـم القضايا المعـقدة يبقى المطروح ثابتاً ، وهو أنه عـلى الإسرائيليين أن يتركوا الفلسطينيين و شأنهم ، وعـلى الفلسطينيين أن يدركوا أنه لا يمكن إعـادة خلط الأوراق كي يسترجعـوا ما فقدوه بسبب ما أوصلتهم إليه قياداتهم الوطنية والعـربية العـديمة الكفائة في الماضي والتي تستمر في نفس الطريق في الوقـت الحاضر .ولا مفـر من أن الإنشقاق الداخلي واستمرار الصراع بين القيادات الفلسطينية المتتالية منذ نهاية الحرب العـالمية الأولـى سوف تؤدي إلى إزالة ما تبقى من فلسطين من الوجود قبل أن تقوم اسرائيل بذلك .

فقبل أن تلفظ كلمة "سلام" يجب أن تكون هناك عـلى الأقل رغـبة صادقة وأكيدة لدى الطرفان نحو أخـذ الآخـر بعـين الإعـتبار إلى أن يتمكن كل منهما أن يعـيش حياة طبيعـية نوعـاً ما . من الضروري أن يشعـر كل من الفلسطينيين وجيرانهم العـرب بالسكينة وأن يستردا إنسانيتهما بعد ما يقارب ثمانون عاما عوملوا خلالها كالحيوانات . فهم بحاجة إلى مدارس وفـرص عـمل وعــزة نفس وراحة نفسية . يجب أيضا أن تكون هنالك فترة هـدنة واستراحة في بادئ الأمر ليتمكن الفلسطينيون خلالها من التنفس والعـيش كبشر . وسوف تسمح تلك الفترة للإسرائيليين أيضا بالعـيش بأمان دون أن يخوضوا حروبا جيل بعـد جيل .

وإذا كنا نبحث عـن سلام يجب أن يكون هذا السلام سلاما بين الجماهير وليس مـجـرد سلام بين موظفين وجنرالات وسياسيين "منتخبين" لا يهمهم سوى أن يلعـبوا لعـبتهم للإستمتاع أو للإستفادة . فبالنسبة لهم تلك هي لعـبة الكبار التي تعني أنه لكي يكون هناك رابح يجب أن يكون هناك خاسر . أما الملايين الذين سوف يربحون أو يخسرون فيعـاملوا بكبرياء وكأنهم أطفالا لا يعـرفون ماذا يريدون . بوجود "مسؤولين" و رجال دين عـلى تلك الشاكلة فرضوا أنفسهم ومصالحهم أو جهلهم عـلى الناس فإنه لا أمل للبشرية في هذه الدنيا .

وللوصول إلى المبتغى يتطلب الأمر قيادات مؤهلة قادرة عـلى أن تفكر بأسلوب يقرب ذات البين بدلا من اسلوب المواجهة العـدائية غـير المجدية . غـير أنه من دواعـي الأسف أن معظم القيادات العـربية والإسرائيلية لا تمثل سوى مصالح شراذم من الناس ولا يهمها سوى مصالحها الشخصية المالية أو العقائـدية وبالأحـرى قيادات لا تتعـرف مـحـركـات البـحـث “search engines” لديها عـلى عـبارات مثل الذمـة ، أو المشاركة ، أو الإنسانية أو العـدل . لقد سقط حائط بـرلين وحان وقت سقـوط حوائط أخرى مثل حائط الجهل وحائط الجشع ، وحائط التقهقر، وحائط ضيق الأفـق ، وحائط التكبر، وحائط الإعـتداد بالنفس وحائط الأساطير والقصص والحواديت التي تنسب إلى الخالق الواحـد الأحد . كما يعـرفون حـق المعـرفة أن الديانات التي ابتكرها البشر لا تحل لا مشاكل البلديات ولا متطلبات الحياة اليومية .

إذا أخذنا بعـين الإعـتبارالوضع الحالي عـلى الأرض بصورة واقعـية ، فالخطوة الأولى يجب ألا تبدأ كما يحدث دائما بالتفاوض حول موضوع متشابك ومعـقد يضمن استحالة التقدم في المحادثات ، أي مسألة تقسيم الأرض وما عـليها بين اسرائيل والفلسطينيين ، بل ولا حتى طرح الموضوع والتكـلم فيه . الوقت لا يزال مبكرا لمثل هذا الحديث . ثم أن نتوقع أن الغـريمان المختلفا الثقافة والمنشأ في وضع يمكنهما من التحدث أو الإستماع الواحد إلى الآخر منطقيا في تلك الظروف إنما لا يزيد ذلك عـن هراء .

الصفحة السابقة
الصفحة اللاحقة
 
Eltaher.org ٢٠٢٤ © | اتصل بنا